Featured Video

الأحد، 22 يوليو 2012

شيخ الازهر الثالث: فضيلة الإمام الشيخ محمد النشرتي

نسبه وبيئته ونشأته وتوليه المشيخة
وُلِدَ الشيخ الإمام محمد النشرتي ببلدة "نشرت" بمحافظة كفر الشيخ، وسمِّي بالنشرتي نسبةً إلى بلدته، وحَفِظَ القُرآن الكريم، ودرس بالأزهر، ولمَّا تولَّى مشيخة الأزهر سنة 1106هـ، ظلَّ يُواصل الدرس، وشغله منصبه وطلابه عن التأليف.
والإمام النشرتي هو ثالث شيوخ الأزهر العلماء الأفاضل، ومن أعلام المذهب المالكي، لم توجد له ترجمةٌ دقيقة في المراجع التاريخيَّة إلا سطور متفرِّقة ومتناثرة في بعض أجزاءٍ من كتب "الجبرتي"، وعدَّة سطور أوردَتْها اللجنة التي أصدرت كتاب "الأزهر في اثني عشر عامًا"، وذكَر الجبرتي أنَّ تلاميذ الإمام الشيخ النشرتي الإمام العالم العلامة صاحب المؤلَّفات الكثيرة والتقريرات المفيدة "أبو العباس أحمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري" - منهم الإمام الشيخ الصالح عبدالحي بن الحسن بن زين العابدين، ومنهم الإمام الفقيه المحدِّث الأصولي المتكلِّم شيخ الإسلام وعمدة الأنام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبدالكريم الشافعي.
ويقول الدكتور عبدالعزيز غنيم: ومع ما كان عليه الإمام الشيخ النشرتي من العلم، وما كان له من الفضل والمريدين والتلاميذ الذين طبقت شهرتهم الآفاق، في الفقه المالكي بخاصَّة، وفي العلوم الدينيَّة والدنيويَّة على سبيل العموم، فإنَّ المصادر التي بحثت في حياة الرجل وأعماله تؤكِّد أنَّه خلف رجالاً من العلماء كثيرين انتهت إليهم الصَّدارة في عُلوم عُصورهم المختلفة والمتعدِّدة المجالات والتخصُّصات، وإنَّ القصد من هذا نريد تعريف القارئ الكريم بأنَّ العلماء الذين لم يتركوا وراءهم مؤلَّفات ضخمة ومصنَّفات فريدة لم يكونوا أقلَّ حظًّا من الذين خلفوا وراءهم رجالاً، خلدوا آراءهم وأفكارهم وأبقوا على مرِّ الزمن أخبارهم وآثارهم.
ونعود لنُكمل سيرةَ الإمام النشرتي لنُوضِّح بعض مَزاياه وفضائله التي لا تُذكَر، وعلمه الغزير، وأنَّه كان ذا قدرةٍ فائقةٍ على توضيح وإعراب ما في نفسه، والإبانة عمَّا يجولُ بخاطِره وفكره، وهذه نعمةٌ لا يخصُّ الله بها غير القلَّة من عباده، ومن أجل ذلك كثُر تلاميذه، واشتدَّ الإقبال على دروسه، لا من مصر وحدَها بل من شتَّى ديار الإسلام كافَّة.
ولهذا ترك من خلفه رجالاً يحبهم ويحبونه، من أجلهم ترك التأليف والتصنيف ثقةً منه في أنَّ أصحابه سيملؤون طباقَ الأرض من علمه وأدبه ومعارفه، وفعلاً فعلوا، وكانوا عند حسن ظنِّه فيهم علمًا وخُلُقًا وأسلوبًا وسلوكًا.
وطلبة الإمام محمد النشرتي دائمًا يلتفُّون حوله ومتأثِّرون به إلى درجةٍ كبيرةٍ، ظهر ذلك بعد وفاته في تماسكهم واتِّحادهم ومحاولة فرض آرائهم على ولاة الأمر، حتى في اختيارهم لشيخ الأزهر بعد رحيل شيخهم؛ فوقع اختيارهم على تلميذه الإمام الشيخ "القليني"، وأصرَّت طائفةٌ أخرى على أنْ يتولَّى المشيخة الشيخ "النفراوي"، واستطاعت الطائفة الأولى أنْ تتغلَّب وتفرض إرادتها فرضًا بعد أحداثٍ جسام ذكر ذلك الجبرتي وذكره "كنز الجواهر"، ورأى المؤرِّخون أنَّه من الخير الإشارة إلى هذه الأحداث؛ أداءً لحقِّ التاريخ، وإبرازًا لدور الأزهر في التوجيه العام.
آثاره العلميَّة في طلبته
المعروف أنَّ الشيخ الإمام النشرتي كان يلقي دروسه وهو شيخٌ للأزهر بالمدرسة "الأقبغاوية"، وهي مكان مكتبة الأزهر الآن، فلمَّا لقي ربَّه طمع في المشيخة والتدريس بالمدرسة الأقبغاويَّة الشيخ الإمام أحمد النفراوي، ولكنَّ تلاميذ النشرتي وقفوا ضدَّه، وعدم تمكينه من التعيين، واتَّفقوا فيما بينهم على أنْ يشغل المنصبين معًا زميلُهم الشيخ عبدالباقي القليني، وهو من التلاميذ النُّجَباء للإمام النشرتي، وهو من المتمكِّنين في فقه المالكيَّة، ومن الصدف أنَّ القليني لم يكن بمصرَ وقتها، فتعصَّبت له جماعة النشرتي، وأرسَلُوا يستعجلون حضوره، ولكنَّ الشيخ النفراوي لم ينتظر، بل تقدَّم لإلقاء دروسه بـ"الأقبغاوية"، فمنعه القاطنون بها وحضر القليني؛ فانضمَّ إليه زملاؤه وأنصاره، واتَّضح بعد التحقيق أنَّ الحقَّ في جانب الشيخ القليني، فولي المشيخة والدرس، وأمر النفراوي بلزوم بيته، ونفى الشيخ "شنن" أيضًا.
ونعود مرَّةً أخرى إلى الإمام النشرتي، والسؤالُ الملحُّ الذي يطرح نفسه: لماذا لم يترجم الجبرتي يوميَّاته ترجمةً كافيةً كما فعَل مع الكثيرين من شيوخه وتلاميذه، واكتفى بكلماتٍ مبعثرة في أنحاء كتابه؟! ولماذا لم يجبر هذا النقص واحدٌ أو أكثر من تلاميذه؟
والمتتبِّع لسيرة الإمام النشرتي يفهم ويدرك أنَّ الرجل كان ممَّن لا يطلبون الشهرة، وينبغي أنْ يكون عمله خالصًا لله وحدَه، وأنَّ تلاميذه كانوا يعرفون ذلك، فلم يترجموا له، وأيضًا كانوا يرَوْنَ أنَّ كلاًّ منهم هو صورةٌ من الشيخ النشرتي تمشي على الأرض، فلماذا الترجمة إذًا؟
وفاته
وظلَّ الرجل يُواصل عملَه في التدريس حتى لقي ربه وهو يُؤدِّي واجبَه ورسالته على أفضل ما يكونُ من أداء الرسالة والنُّهوض بأعبائها.
ففي الثامن والعشرين من ذي الحجة 1120هـ - 1708م لبَّى نداء ربه، وحضر جنازتَه جمعٌ غفير من العلماء والوجهاء في موكبٍ جليل مَهِيب، وهذا ممَّا يدلُّ على مكانته وعظيم شأنه، إلى جانب منزلته العلميَّة السامية، وأنَّه لَيومٌ مشهود لهذا العالم الجليل شُيِّعَ فيه إلى مثواه الأخير، بعد التقاليد المعتادة التي كانت تُؤدَّى في الأزهر الشريف لكلِّ مَن يموت من شيوخ الأزهر، من قِراءة الخاتمة عليه والدعاء له من قِبَلِ مُريدِيه وعارفي فضله وأولياء الأمور في الدولة.
فسلام الله عليك في الخالدين، ودائمًا موت الأمَّة في موت العالم!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More