التعريف به | |
هو الشيخ العلامة إبراهيم بن محمد بن شهاب الدِّين بن خالد البرماوي الأزهري الشافعي الأنصاري نسبةً إلى "برما" من قُرى محافظة الغربيَّة... وهو ثاني شيوخ الأزهر حسَب ما ذكره "الجبرتي" في "عجائب الآثار" ج1، ودرس في الأزهر على يد كبار الشيوخ، وعكَف على دروس الشيخ أبي العباس شهاب الدين محمد القليوبي، وكان من أعظم علماء عصره، مُتعدِّد الثقافات، وألَّف كثيرًا من الشروح، ثم أُذِنَ له أنْ يقوم بالتدريس، فأقبل عليه الطلاب وغير الطلاب نتيجةَ علمه، وكان من أنجب تلاميذه إبراهيم الفيومي. | |
بيئة الشيخ البرماوي ونشأته ومذهبه وتولِّيه المشيخة | |
نشَأ
الإمام في قريةٍ من قُرى محافظة الغربيَّة، وكان بها كثيرٌ من العلماء،
وكعادة أهل القرية، ونتيجةً لتوجيه أهل العلم والفضل، وإنَّ للبيئة التي
نشَأ فيها الشيخ البرماوي أثرًا
كبيرًا في ثقافته وعلمه، في كُتَّاب القرية حَفِظَ القرآن الكريم، ومن
الطبيعي أنْ يتلقَّى العلوم التقليدية المعروفة للالتحاق بالأزهر في ذلك
الزمن، من علومٍ شرعيَّة ولغويَّة، وما يتعلَّق بها. وإنَّ العوامل التي ساعدت على وصولِه إلى ما وصَل إليه من العلم والشُّهرة معًا، وهى كثيرة، أهمها هي بلدته "برما" التي على أرضها تربَّى وترعرع، ونما تحتَ سمائها، وعاشَ بين أهله وعشيرتِه، وكما ذكرنا أنَّه قضَى سنَّ طفولته وصِباه في قريته التي وصَفَها صاحب "الخطط التوفيقية"، قال: "هي قريةٌ كبيرة قديمةٌ من مراكز أبيار التابعة لمديريَّة الغربيَّة مبنيَّة على تلٍّ مرتفعٍ جهة محلَّة مرحوم، وفيها مسجد عامر له مِئذنة عالية وسوق كبير وحدائق مزهرة، وكان ببلدة "برما" علماء كبار مثل شمس الدين البرماوي وعلي البرماوي الضرير، والمتتبِّع لما ذكرناه يرى أنَّ هذه البلدة كانت موطنًا لكثيرٍ من العلماء الراسخين في العلم، والذين جمعوا بين حُسن السِّيرة والسُّمعة الطيِّبة وكمال الإدراك والمعرفة، وإنَّ أهلها كانوا ينتمون إلى المذهب الشافعي؛ ولهذا أحبَّ الإمام البرماوي المذهب الشافعي، وتبحَّر في دراسته وأحاط إحاطةً تامَّة بالمذهب الشافعي القديم منه والجديد. |
|
اعتلاء كرسي المشيخة | |
قبل
أنْ نذكر آثارَه العلميَّة والشيوخ الذين تلقَّوْا عنه العلم، نريدُ أنْ
نُلقِي نظرةً في إيجاز على تولِّيه مشيخة الأزهر، قال الجبرتي في "عجائب
الآثار": تحدثت المصادر التاريخيَّة أنَّ الشيخ الثاني للأزهر هو
الشيخ "النشرتي" صاحب "كنز الجواهر"، أغفل هذا وجعل الشيخ "النشرتى" هو
الشيخ الثالث للأزهر، وأنَّه ولي منصبه في 1106 هجرية، أمَّا الفترة بين
وفاة الشيخ الخراشي وولاية النشرتي 1106 هجرية، ولي فيها البرماوي، وهذا هو
الصواب؛ حيث صحَّح هذه الشيخ رافع الطهطاوي، فقال: إنَّ الشيخ النشرتي هو
الثالث، خلافًا لما ذكره الجبرتي من أنَّ
النشرتي تولاها عقب الخراشي... وذكر الأستاذ عبدالعزيز غنيم هناك بواعث
ودواعٍ على أساسها خرجت مشيخة الأزهر من أيدي المالكيَّة إلى الشافعيَّة،
مع وجود التعصُّب المذهبي الشديد، وعلى الرغم من أنها كانت في أيدي
المالكيَّة، وأنَّ مَن تولَّى قبلَه وبعدَه من المالكيَّة، وأنَّ الإمام
الخراشي كان له أصحابٌ ومؤيِّدون يبلغُ عددهم المائة وأكثر، وكانوا جميعًا
يعرفون المذهب المالكي، ويفهَمون أسرارَه، وفي مقدور كلٍّ منهم أنْ يتصدَّر
الفتوى، وأنَّ التعصُّب المذهبي في هذا العصر كان على أشُدِّه، وأنَّه لم
يكن في مقدور أحدٍ مهما أُوتِي من العلم ومن التُّقى والسمعة والشهرة أن
ينتزع ما في أيدي أصحاب مذهبٍ لصالح مذهبٍ آخَر، ولو حاول لاندَلعَتْ نار
الفتنة التي لم تقتصرْ على علماء الأزهر، بل ربما يمتدُّ شررها
إلى ذوي السُّلطة أو أصحاب الحول والطول في البلاد. ومن الأسباب أيضًا - والكلام ما زال للدكتور عبدالعزيز غنيم - أنَّ عُمُدَ الأزهر كانت مُقسَّمة على علماء الأزهر الأربعة لا بالتساوي، ولكن تبعًا للتطوُّر ووفقًا للسيطرة، وكان إذا جلس شيخٌ مكان شيخٍ على مذهبه قامت الدنيا ولم تقعد حتى يُغادر المعتدي عمودَ صاحبه، فكيف يكونُ الحال إذا حاول شيخٌ الجلوسَ على أريكة المشيخة وانتِزاعها من بين أيدي أصحاب مذهب إلى أيدي أصحاب مذهبٍ آخَر؟! وأيضًا إنَّ شيخ الأزهر لم يكن يُعيَّن من قِبَلِ أولياء الأمور، وإنما كان يُختار من بين علماء المذهب المسيطِر، فإذا كان النُّفوذ للمالكيَّة كان مالكيًّا، وهكذا كان النُّفوذ أيَّام الشيخ الخراشي للمالكيَّة؛ ولهذا كان تولِّي الشيخ البرماوي لمشيخة الأزهر وهو شافعيٌّ يُعتَبر أمرًا غريبًا! وكان إذا اختِير من بين علماء مذهبٍ يصعدُ إلى القلعة ليطَّلع على قَرار تعيينِه، وتُخلع عليه الخلعة، وينزلُ في موكبٍ مَهِيبٍ حتى يدخُل الأزهر، ويُؤدِّي فيه الصلاة، ويجلس على مشهدٍ عظيمٍ من العلماء والطلاب، ويُباشر بعد ذلك عمله. ولهذا أرى أنَّ الشيخ البرماوي ليس هو الشيخ الثاني للأزهر، وإنما الإمام الثاني هو الشيخ محمد النشرتي، وعلى كلٍّ فلا بُدَّ أنْ نذكر أنَّ العوامل التي أوصلَتْه إنما هي العلم والشهرة معًا، وأهمها تولِّيه مشيخةَ الأزهر. |
|
آثاره العلمية ومؤلَّفاته | |
وعلى سبيل المثال لا الحصر أنَّه ترَك مؤلَّفات عدَّة تدلُّ على غَزارة علمِه في الحديث وفقه الشافعيَّة والمواريث والتصوُّف. 1- ألَّف كثيرًا من الحواشي والشروح والرسائل وقيامه بالتدريس. 2- ترك عدَّة مُصنَّفات في الحديث وفقه الشافعيَّة والمواريث وحاشية على شرح الشيخ "القرافي" لمنظومة ابن فرح الأشبيلي، وهي منظومةٌ في علم مصطلح الحديث. 3- حاشيته على شرح أبو قاسم. 4- الميثاق والعهد فيمَن تعلم في المهد. 5- رسالة في الدلائل الواضحات في إثبات الكرامات "التصوف والتوحيد". وقد انكبَّ على شرح مؤلَّفاته كثيرٌ من العلماء. |
|
وفاته | |
ظلَّ
الرجل الفقيه يُواصل التدريس في حلقات العلم بالأزهر طِيلة أيَّام حياته،
وحتى أثناء تولِّيه مشيخةَ الأزهر من 1101هـ - 1690م، ولم يطل عمرُه بعد
تولِّيه المشيخةَ، فقد لبث فيها ست سنوات، وهذه المدَّة وإن كانت
قصيرةً في عدد السنين إلا أنها كانت طويلةً فيما زخرت من مؤلفات الإمام
ودروسه في العلوم الدينيَّة واللغويَّة، ولا سيَّما الفقه الشافعي الذي
بلَغ فيه الغاية وزاد في النهاية. هذا هو الشيخ البرماوي، وهذه هي بعض مَفاخِره ومَناقبه التي جعلَتْه ينتزعُ المشيخة من المالكيَّة؛ وهذا رغبة منَّا في الاختصار المفيد، وفي سنة 1106 هـ انتقل العالِم الجليل إلى مثواه الأخير في رحاب ربِّه، وخرج الناس جميعًا عن بكرة أبيهم لتشييع جنازته في موكبٍ مهيب بَكاه جميعُ الناس، الخاصَّة منهم والعامَّة، من العلماء والشيوخ، فسلامٌ عليك أيُّها الإمام الكريم الجليل في العالمين، وسلامٌ عليك إلى يوم يبعثون؛ {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]، ودائمًا نقول: "موتُ الأمَّة في موت العالم". |
0 التعليقات:
إرسال تعليق