Featured Video

الاثنين، 22 يوليو 2013

شيخ الازهر الاول: فضيلة الإمام الشيخ محمد الخراشي

أول من تولى مشيخة الأزهر الشريف


التعريف به
"هو الشيخ الإمام محمد بن عبدالله بن علي الخراشي". وُلِد في بلدة "أبو خراش" مركز شبراخيت، محافظة البحيرة في عام 1010 هجرية "1601م"، كان شيخَ المالكية، ورعًا تقيًّا مُتقربًا إلى الله بالعلم وخدمة الدِّين.
تلقَّى العلمَ على يد نُخبةٍ من العلماء والأعلام، منهم والدُه الشيخ "جمال الدين عبدالله بن علي الخراشي، والشيخ اللقَّاني، والأجهوري، والشامي... وغيرهم".
درس العلوم المقرَّرة بالأزهر "العلوم الدينيَّة واللغويَّة والتاريخ، ودرس علوم السِّيرة والعلوم النقليَّة؛ كالمنطق وعلم الكلام".
مكَث عشرات السنين يتلقَّى العلمَ ويُلقِّنه، ومن تلاميذه بعضُ شيوخ الأزهر "الشيخ القليني، والشيخ الفيومي، وغيرهما".
عُرِفَ الشيخ الخراشي بالتواضُع ودماثة الخلق وكرَم النفس، مع الزُّهد والتقشُّف.
نسبه وبيئته ونشأته وتوليه المشيخة
قال صاحب "الخطط التوفيقية" عن بلدته التي نشَأ فيها وهو في سن الطفولة، وهي قرية "أبو خراش"، وهي بلدة كلُّها خير وبركة؛ فأثَّرت على ساكنيها، بما فيها أولياء الله الصالحين، وجَهابِذة العلم الذين جمَعُوا بين علوم الدِّين والدُّنيا، ولا ننسى أنَّ والد الشيخ الخراشي من العلماء المشهورين؛ لذا نجدُ أنَّ بيئة الإمام التي نشَأ فيها كانت بيئةَ علمٍ وتقوى، دِين ودُنيا انعكست على سلوكيَّاته؛ فقد قِيل عنه: إنَّه رجل دِين ودنيا معًا، وإنَّه لم تمضِ ساعة من عمره الذي زاد على التسعين إلا وتجد له فيها عملاً من أعمال الدنيا والآخرة.
البيئة العلمية ومذهبه
رحل الصبيُّ صغيرًا من بلدته "أبو خراش" أو "أبو خرش" كما ذكَر بعض الكُتَّاب، ربما في سن العاشرة تقريبًا بعد أنْ تعلَّم القراءة والكتابة وحفظ القُرآن كاملاً وقدرًا من العلوم التي تُؤهِّله للقبول بالأزهر؛ كالحساب والإملاء وغيرهما.
ودخَل الشيخ الأزهرَ صغيرًا، وأقبلَ على العلوم المقرَّرة فيه، ودراستها بشغفٍ وحبٍّ كبير وتفرَّغ لها تمامًا حتى استوعبها كلَّها.
واختار المذهب المالكي حبًّا في الإمام مالك فقيهِ المدينة المنورة، ولكثرة مصنَّفاته، فركَّز عليها وقرأها قراءةً واعيةً مع إمعان الفقيه والتأنِّي البالغ، حتى بلغ غايتها، وفَهِمَ معانيها، ووصَل فيها إلى درجة التأليف والفتوى، وامتدَّ صِيتُه في مشارق الأرض ومغاربها من دِيار الإسلام، وأصبح هو المرجع والفارس لهذا المذهب، ومن بعده تلاميذه ومُرِيدوه الذين ساروا على دربه ومنهجه، ودرسوا هذا المذهب من بعدِه.
ومن الأمور التي ساعدت الشيخَ الإمام "الخراشي" وجعلَتْه يصلُ هذه المنزلة العلميَّة الكبيرة أمورٌ كثيرة؛ منها:
1- شيوخه ومُدرِّسوه الذين تلقَّى عنهم وسمع منهم؛ مثل: الشيخ اللقاني، والأجهوري، والشيخ الشامي، ومن قبلِهم والدُه الشيخ عبدالله.
2- الكتب والمراجع الكثيرة التي قرَأَها ودرَسَها؛ مثل: "الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير"، "الفرائد السنية في شرح المقدمة السنوسية"، "الدرر السنية لحل ألفاظ الآجرومية"، وغيرها من الكتب الدينيَّة واللغويَّة والتطبيقيَّة.
3- مزاولة التدريس بالأزهر والمدارس المساعدة له؛ منها: المدرسة الأقبغاويَّة كان له فيها درسٌ يومي على الأقل، ولم يكن قيامه بالتدريس والمحاضرة مقصورًا على طلاب العلم فحسْب، وإنما كان يأتي إليه العلماءُ وغيرهم للتزوُّد من علمه الغزير ومعارفه وثقافته التي لا ينضبُ مَعِينُها، ولا ينقطع ماؤها، فهو بحرٌ لا ساحل له ولا قَرار.
4- الزيارات الكثيرة التي كانت تأتيه من كلِّ البلاد الإسلاميَّة شرقًا وغربًا حيث كانوا يحدثونه عن ماضي بلادهم وحاضرها وما فيها من ثقافةٍ وعلوم، وما يأتون به من مصنَّفات وكتب علمائها وأدبائها، فكانت كلُّ هذه الموارد العلميَّة تضيفُ إليه علمًا وثقافةً جديدةً ليزيدَ رصيدُه، وتتَّسع آفاقه، ويزيدَ في امتِداد سمعته وانتشار علمه؛ ممَّا ينعكس على طلابه ومُريدِيه.
آثاره العلميَّة ومؤلَّفاته
1- رسالة في البسملة، وهي مؤلَّفه من أربعين كراسة، في شرح قوله سبحانه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1].
2- فتح الجليل... في الفقه المالكي.
3- الشرح الكبير في الفقه، وهو مختصر خليل في ثمانية مجلدات.
4- الشرح الصغير للمختصر الكبير نفسه في أربعة مجلدات.
5- حاشية على شرح الشيخ علي، للعالم إيساغوجي في المنطق.
6- منتهي الرغبة في حل ألفاظ النخبة.
7- الفرائد السنية في حل ألفاظ السنوسية، في التوحيد.
8- الأنوار القدسية في الفرائد الخراشية في التوحيد أيضًا.
والمتتبِّع لدراسة هذه الكتب يُدرك أنها ليست في فرعٍ واحدٍ من العلوم، ولا في تخصُّص مستقل، وإنما في فُروع شتَّى وتخصُّصات مختلفة، وهي بلا شكٍّ تدلُّ على اتِّساع علم الرجل وكثرة مداركه، في كلِّ ما كان يدرس فيه ويدرسه في الأزهر وغيره في ذلك من العلوم، سواء كانت علومًا دينيَّة أو لغويَّة أو دنيويَّة، على حدٍّ سواء.
أفضاله وآثاره
إنَّ للإمام الخراشي مزايَا ومناقب اشتَهَر بها، وكان يُردِّدها من بعده تلاميذه وعارفوه؛ منها:
1- أنَّه كان شديدَ البأس على الظالمين من الحكَّام وغيرهم، لا تأخُذه في الحقِّ لومةُ لائم، ينتصر للمظلوم ويقف بجانبه حتى يعيدَ له حقه؛ فيشفعُ للناس لدى الولاة وأصحاب النُّفوذ والجاه؛ لقَضاء حوائج قاصِديه والمستشفِعين به من ضُعَفاء الناس من الفقراء والمساكين، ومَن لا حولَ لهم ولا قوَّة.
وكان الرجل من الهيبة وحسن السمعة بحيث يهابه كلُّ مَن يراه، فلم تكن تُرَدُّ له شفاعة أو يُهمل له رجاء، وفتح أبوابه لكلِّ مظلومٍ من الرجال والنساء.
وأصبح يُضرَبُ به المثل في الشجاعة وكرم النفس، حتى أُثِر عنه أنَّه عندما يُصاب الناس بكارثةٍ، أو تلمُّ بهم لامَّة من الولاة وغيرهم، يُنادون بلفظ كلمة: "يا خراشي"، ينطق بها سكَّان القُرى والبلدان والمدن دليلٌ على طلب النَّجدة والاستغاثة ورفع الظُّلم يُنادي الناس: "يا خراشي".
2- حِرصُه الدائم على تأدية صلاة الفجر في الأزهر من يوم أنِ التحَقَ به حتى مماته وهو في التسعين من عمره، وفتح أبواب مكتبته لتلاميذه لصَقْلِ عقولهم وتنمية أفهامهم واتِّساع مَداركهم.
3- مع كثرة مَشاغله وتعدُّد مهامِّه فقد خلف من المصنَّفات الكبيرة والموسوعات الغزيرة، وأنَّ روايته للحديث كانت متَّصلة الإسناد إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من طريق الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره، وهذا دليلٌ على أنَّ العناية الإلهيَّة أتت ترعاه وتحفظه كما كانت تمدُّ الأولياء والصالحين والعلماء السالكين للطريق القويم.
4- جمع بين عُلوم الدِّين والدُّنيا وأصبح قدوةَ الأولياء وأسوةَ العلماء، مثالاً للبرِّ والتقوى، ذا فضلٍ كبير، وكفاحٍ طويل.
وفاته
واصَل الرجل العمل لله وللدِّين على مدى تسعين عامًا أو يزيد، حتى آنَ أجَلَه وحانت منيَّته بعد هذا الجهاد المرير. في صَبِيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة إحدى ومائة وألف من الهجرة "1101 هجرية" الموافق "1690م".
وخرج الناس لتشييعه إلى مَثواه الأخير في جنازةٍ مَهِيبةٍ لم يُرَ لها مثيلٌ، ودُفِنَ مع والده وسط قرافة المجاورين قُرب مدفن الشيخ العارف بالله "محمد البنوفري".
فسلامٌ عليك أيُّها الإمام الجليل في الخالدين، وإلى أنْ يقومَ الناس لربِّ العالمين.
وصدَق مَن قال: "إنَّ موت الأمَّة في موت العالِم".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More