Featured Video

الأربعاء، 6 مارس 2013

قصة نشأة إذاعة القرآن الكريم من القاهرة

د. فوزي خليل نائب رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق
إن تجربة شبكة القرآن الكريم بإذاعة جمهورية مصر العربية ، تحمل دلالات وأبعادا ذات مغزى كبير في هذا الميدان الإعلامي ، إنها تعتبر السابقة الأولي في هذا النوع من الرسالة الإعلاميـــــــة ، ومن ثم فهي الإذاعة الأقدم علي مستوي العالم بين إذاعات القرآن الكريم ، أو الإذاعات الدينية بشكل عام ، كما تكشف عن الدور الحضاري والثقافي لمصر في محيطها العربي- الإسلامي
.
لقد كان لقرار نشأتها ظروف وملابسات سبقته ودعت إلي اتخاذه ؛ ففي أوائل الستينات من القرن الماضي ظهرت طبعة مذهبة من المصحف ، ذات ورق فاخر، و إخراج أنيق ، بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آياته ، منها قوله تعالي : "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ". وطبعوها مع حذف كلمة "غير" فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تماما ، و كانت هذه الطبعة ، رغم فخامتها ، رخيصة الثمن وكان تحريفها خفيا علي هذا النحو، لكن الله تولي حفظ كتابه حيث يقول :" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ومن ثم يهيئ من الوسائل ما يحقق هذا الحفظ .

فلقد اسـتُــنـفِـرت وزارة الأوقاف والشئوون الاجتماعية ، في ذلك الوقت – ممثلة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، والأزهر الشريف ممثلا في هيئة كبار العلماء – في ذلك الوقت – لكي تتدارك هذا العدوان الأثيم علي كتاب الله ، و بــــعد الأخذ والرد تمخضت الجــــــهود والآراء عن تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليــل الحصرى علي أسطوانات توزع نسخ منه علي المسلمين في أنحـــــــاء العـــــــالم الإســـــلامي ، و كافة المراكز الإسلامية في العالم ، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه ، وكان هذا أول جمع صــوتي للقرآن الكــريم بعد أول جمع كتابي له في عـهد خـليفة

رسول الله "صلي الله عليه وسلم" أبي بكر الصديق . وبمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود من ورائها نظرا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات علي نطاق شعبي ، فضلا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينات من القرن العشرين .
ونتيجة لما سبق انتهي الرأي والنظر في هذا الشأن من قــــبل وزارة الثقـــافة والإرشاد القومي- المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت ، وعلي رأسها الإعلامي الفاضل الدكتور/عبد القادر حاتم - إلي اتخاذ قرار بتخصيص موجة قصيرة وأخري متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجله المجلس الأعلـى للشؤون الإسـلامية ، و بعد موافقة الرئيـس جمـال عبد الناصـــر بدأ إرسـال "إذاعة القرآن الكريم" في الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة1383 هـ الموافق 25 مارس لسنة 1964م ، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحا ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساء علي موجتين : إحداهما قصيرة وطولها 30.75 ك.هـ والأخرى متوسطة طولها 259.8 ك.هـ ، لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملا بتسلسل السور والآيات كما أنزلها أمين الوحي جبريل "عليه السلام" علي قلب سيد المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم ، و كانت بذلك أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات المكتوبة لتحريفه ، حيث يصل إرسالها إلي الملايين من المسلمين في الدول العربية والإسلامية في آسيا وشمال إفريقيا ، حيث كان الراديو الترانزيستور وسيلة لالتقاط إرسالها بسهولة
.
ويصور المرحوم الإمام الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر رد الفعل الجماهيري بانطلاق صوت الوحي من محطة إذاعة القرآن الكريم فيقول في الاحتفال بالعيد العاشر لإذاعة القرآن الكريم : "فإني لا أزال أذكر أننا كنا ذات يوم في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وجاءتنا البشري بأن الـدولة قــررت إنشــاء إذاعــة خاصة بالقرآن الكريم ، و سرنا هذا النبأ سروراً عظيماً ، لكننا لم نقدر أثره في نفوس المؤمنين حق قــدره ، وتبين ذلك في صورة واقعيـــة يوم أن بدأت المحطـة تذيع ، لقد كان يوماً مشهوداً !! في ذلك اليوم الأغر سمعنا القرآن المرتل في كل شــــارع مـــررنا به ، و كان أصحــاب المحلات التجارية يستمعـــــون إلي الإذاعة في متــاجرهم ، وربات البيوت يستمعن إلي الإذاعة في بيوتهن ، والجميع في فرح غامر ، وفي استبشار واضح... "
ومن الواضح أن المخطط الإعلامي لإنشاء إذاعة القرآن الكريم لم يضع في اعتباره منذ اللحظة الأولي أن تقتصر الخدمة الإعلامية لهذه الإذاعة علي المستوي الوطني ، بل قصد امتدادها إلي مستوي الدائرة العربية والإسلامية لتغطي برسالتها شــمال أفــريقيا والــدول الإسـلامية في آسيا ، ومن ثم خصصت موجة قصيرة منذ اللحظة الأولي لتحمل علي جناحها رسالة الإذاعة الجديدة إلي تلك الأصقاع .

وعلي منوال هذه السابقة المصرية المباركة توالى إنشاء عدة إذاعات للقرآن الكريم في داخل العالم العربي ، بل وفي خارجه كما في استراليا مثلاً ، تصديقاً لقول الحق تبارك وتعالي "إنا نحـن نزلنــا الذكــر وإنا لــــه لحافظـون"





المصدر : بحث تحت عنوان "
إعداد : الدكتور فوزي خليل نائب رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق ( يرحمه الله )

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More